تحذّر سمية غنوشيمن أن الحكومات الأوروبية وجدت حيلة سياسية مريحة تتيح لها تمرير أقسى سياسات الهجرة واللجوء وأكثرها تجريدًا للإنسانية، من دون أن تواجه اتهامات مباشرة بالعنصرية. تعتمد هذه الحيلة على تقديم شخصيات من أصول غير بيضاء لواجهة القرار، بينما تُصاغ السياسات نفسها بروح إقصائية وعنيفة لا تقل قسوة عما كان يطرحه الساسة البيض سابقًا.
بحسب ميدل إيست آي، لا تُعد هذه الممارسة جديدة، بل تمثّل امتدادًا حديثًا لاستراتيجية استعمارية قديمة حَكمت المجتمعات عبر وسطاء ينتمون إلى الشعوب الخاضعة، لكنها انتقلت اليوم من الساحة الإمبراطورية إلى الداخل الأوروبي، حيث يجري استخدام أبناء الأقليات وأبناء المهاجرين أنفسهم لحراسة الحدود التي عبرها آباؤهم في زمن سابق.
واجهات ملونة وسياسات سوداء
تستعرض الكاتبة نماذج بريطانية واضحة لهذه الظاهرة. قادت بريتي باتيل، ابنة لاجئين من أصول هندية أوغندية، وزارة الداخلية وساهمت في تجريم مسارات الهجرة التي سارت عليها أسرتها في الماضي، بينما أدارت في الوقت نفسه علاقات سياسية جانبية مع إسرائيل. لحقتها سويلا برافرمان، المولودة لأسرة مهاجرة من كينيا وموريشيوس، التي قدّمت طالبي اللجوء كأنهم وباء يقترب من البلاد، وروّجت بحماس شبه استعراضي لرحلات الترحيل إلى رواندا، وربطت كل ذلك بخطاب الأمن ومكافحة “معاداة السامية”، موجّهة سهامها نحو المسلمين والحركات الاحتجاجية وتعددية الثقافات.
في ظل حكومة ريشي سوناك، الذي ينحدر بدوره من عائلة مهاجرة، تحولت برافرمان إلى أداة مثالية: مظهر يصدّ اتهام العنصرية، وخطاب يميني متشدد يرضي القواعد المحافظة، وطموح يسمح بقول ما لم يجرؤ كثيرون على التصريح به علنًا.
الشرعنة عبر الصورة
انتقل المشهد في عهد حزب العمال إلى مرحلة جديدة أقل حدّة في اللغة، لكنها لا تقل قسوة في الجوهر. تتصدر شبانة محمود، أول امرأة مسلمة تتولى وزارة الداخلية البريطانية، واجهة مقترحات تنزع عن الدولة واجبها القانوني في توفير السكن والمساعدات الأساسية لطالبي اللجوء. تدفع هذه الإصلاحات آلاف الأشخاص، بينهم أطفال وعائلات، إلى نظام تقديري بلا ضمانات حقيقية للبقاء أو الأمان.
ترسم الكاتبة صورة قاتمة لما قد يواجهه اللاجئ: يخاطر بحياته لعبور القناة، ثم تُصادر ممتلكاته الشخصية، ويُجرّد من ما يُعد “فاخرًا”، ويُحرم أطفاله من المدرسة، ويُسحب عنه المأوى في أي لحظة. تصبح الوجوه في المنصة، مهما اختلفت أسماؤها أو ألوانها، تفصيلًا هامشيًا أمام سؤال جوهري واحد: هل هذه السياسات عادلة أم لا؟
تلفت غنّوشي إلى أن هذه الممارسة لا تقتصر على التيار الرئيسي. حتى أحزاب اليمين المتطرف بدأت تستخدم شخصيات من الأقليات لتلميع خطابها. يبرز حزب “إصلاح المملكة المتحدة”، المعروف بعدائه للمهاجرين، شخصية مسلمة تُدعى ضياء يوسف دافع بشراسة عن سياسات معادية للمهاجرين ومؤيدة لإسرائيل. وجوده يمنح خطاب الحزب غطاءً “مقبولًا” لدى من قد ينفرون عادة من الطروحات العنصرية الصريحة.
دروع بشرية بدل تمثيل حقيقي
مع صعود اليمين المتطرف في أوروبا، بدأت أحزاب الوسط واليسار تميل بدورها نحو تشديد سياسات الهجرة، في محاولة لمجاراة المزاج العام. في هذا السياق، لا تمثّل الشخصيات المنتمية للأقليات رموزًا للاندماج، بل تتحول إلى أدوات امتصاص للغضب العام، ودروع بشرية تسمح بتمرير السياسات من دون محاسبة حقيقية.
تظهر أسماء أخرى في المشهد، مثل كيمي بادينوخ، التي تبني حضورها السياسي على الدعوة إلى ضوابط صارمة للهجرة ورفض التعددية الثقافية، أو جيمس كليفيرلي الذي يتبنّى بدوره خطابًا أمنيًا متشدّدًا تجاه المهاجرين، في مفارقة صارخة مع قصص هجرة عائلاتهم. حضورهم يسهل على الحكومة الرد على أي انتقاد بجملة سطحية واحدة: كيف تكون السياسة عنصرية إذا كان من يدافع عنها شخصًا غير أبيض؟
تربط الكاتبة هذا المنطق بتاريخ الاستعمار، عندما كانت السلطات الأوروبية تعين زعماء محليين لفرض الضرائب والعمل القسري والعقاب بدلاً منها، فتظل السلطة الحقيقية في الظل، بينما يتحمل الوسيط المحلي غضب الناس. اليوم ينعكس المشهد: تستعمل الحكومات الغربية أبناء الأقليات كواجهة، بينما يحافظ النظام نفسه على بنيته الإقصائية.
تخلص غنّوشي إلى خلاصة حادة: التنوع بلا عدالة مجرد ديكور، ووجود وجه بني أو أسود لا يطهّر سياسة قاسية. الوزيرة المسلمة قد تفرض إجراءات معادية للمسلمين، وأن الأبواب قد تغلق في وجه عائلة تهرب بحياتها. المعيار الوحيد الذي يستحق الاهتمام يظل بسيطًا ومباشرًا: هل السياسة عادلة، إنسانية، وتحمي الأضعف؟ إن لم تكن كذلك، فلا قيمة لكل أقنعة التعددية ولا لكل الأسماء والوجوه التي تُرفع لتجميل القبح. القسوة لا تتحول إلى أخلاق لمجرد أن اليد التي تمارسها ليست بيضاء.
https://www.middleeasteye.net/opinion/non-white-face-cannot-mask-uk-inhumane-asylum-policies

